من الطبيعي أن لا تستطيع منح وإعطاء أحد شيئاً أنت أصلاً فاقده
وكذلك من المؤكد أنك إن قررت المنح والعطاء فأنت تعطي مما لديك
لكن أن تعطي كل ما لديك فهذا ليس مجرد عطاء بل إنه قمة العطاء.
فهذه المرأة العجوز عندما قدمت لبوذا نصف الرمانة كانت هي كل ما تملك من حطام الدنيا ولكنها بالنسبة لسواها فهي مجرد نصف رمانة ليس إلا .
وإذا كان ما يقدمه لك الغير عبارة عن شيء هو بالنسبة لك قليل أو بسيط فلا يكون حكمك عليه بقيمة ما قدم لك من منطلق رؤيتك وتقديرك أنت بل انظر إلى ما هو أعمق وأجل من ذلك وهو أنه ربما أن هذا الشيء هو بعض ما يستطيع أو ربما أن يكون هو كل ما يملكه.
وعندما قالوا أن الإناء ينضح بما فيه كان من البديهي أن لا ينضح بما ليس فيه
فإن نضح فهو حتماً ينضح بما فيه ولا يمكن أن يكون النضح مما ليس فيه.
لهذا كان من الضروري أن ننتبه في سلوكياتنا إلى أن ما نسلكه هو ما يعكس مضموننا وداخلنا لا كما يعتقد البعض أن هذا السلوك جاء بسبب ولأنه وهو الذي دفعني وحدا بي إلى أن أسلك هذا السلوك لأنه عندها يكون هو المالك وأنت المملوك وهو المسيطر والمتحكم فيك وأنت ليس إلا مجرد قشة في مهب الريح تتأثر سلوكياتك بالظروف والأشخاص والأسباب.
فقوة المرء تقاس بقدرته على التصرف من داخله ومن نفسه وكما هو وليس مجرد تصرف ناتج عن أفعال الغير وعن ظروف وأسباب تتحكم به وتجعله مجرد إناء فارغ لا يحتوي على شيء وعندها تكون أفعاله مجرد ردود أفعال ونضحه ليس إلا ما وضعه الغير في إنائه.
من هنا تكون قدرة الانسان في تبني مبادىء وأساليب تعامل ومنهج حياة لا تتأثر ولا تتبدل بحسب أحوال الطقس والغير ويحافظ عليها ويكافح من أجل حمايتها مهما كانت الأعذار متوفرة ومهما كانت الظروف قاسية. حتى يتسنى له أن يكون إنساناً وواقعاً وإن أعطى وقدم يكون هذا هو ذاته هو وليس ذات غيره التي تتحكم فيه وتجعله يتصرف بردود أفعال على أفعال الآخرين.
والجدير بالذكر أن السلوك مهما كان شكله وتصنيفه فهو سلوك لا ينفع فيه أي تعليل وتبرير ولا يخفف من حدته وجود الدوافع والأعذار ولا يمكن أن يُفهم بغيره حتى لو كان عبارة عن رد فعل على شيء اضطر له واجبر عليه وأكره له فهذا لا يوفر له أدنى مصداقية ولا يعفيه منه لأنه سلوكه هو وليس سلوك الآخرين